السبت، ١٢ شباط ٢٠١١

حول إنتفاضه مصر ـ سقوط الجدار ـ 5

لا يشك عاقل بالأهميه الخاصه لمصر , ليس فقط بالنسبه لشعبنا الفلسطيني , وللمنطقه العربيه , بل وايضا بالنسبه للعالم بأجمعه , فموقعها , وتاريخها , وإمكانيات شعبها , اهلتها بالماضي القريب والبعيد لأن تؤثر , سلبا وايجابا , على واقع كل الشعوب العربيه , وعلى إتجاه حركه التاريخ فيها , وإن كانت القضيه الفلسطينيه مركزيه في إسقاطاتها على الواقع المعنوي للأمه العربيه , فتوجهات مصر مركزيه على الواقع الفعلي والعملي المباشر لنفس هذه الأمه , وتكفي نظره واحده الى تأثير وقفه العز والكرامه لمصر عبد الناصر منذ ثوره يونيو 52 التي بثت الأمل بإمكانيه تحقيق التحرر الوطني الشامل للمنطقه , وبإمكانيه مواجهه ودحر الصهيونيه , والى إنعكاسات مقوله ’’ 99% من اوراق الحل في يد امريكا’’ التي نادى بها السادات بعد حرب اكتوبر 73 المجيده , وتوقيع إتفاقيه كامب ديفيد وما تبعها من إنكفاء قطري , وروح خضوع وخنوع وإستسلام عمت المنطقه العربيه , للتدليل على ذلك ..
ومن هنا تنبع الأهميه القصوى للفهم الدقيق لما يحدث اليوم في مصر , فعليه تعتمد حركه التاريخ في المنطقه , فإما ’’ مؤامره خارجيه وداخليه ’’ تدفع لإلتفاف الجماهير حول ’’أنظمتها ’’ في مواجهه ’’الأصابع’’ الأجنبيه والعميله , وقوى الظلام , وتؤدي لخروج تلك الأنظمه من المعمعه اقوى مما كانت عليه , بعد إدخال بعض الرتوش التجميليه عليها , وإما حركه طبيعيه (رغم المحاولات الداخليه لإحتوائها , والخارجيه للتأثير عليها ) متماشيه مع حركه تاريخ الإنسانيه ومتطلبات العصر الطبيعيه والمشروعه (رغم التحديات العظام التي تواجه تلك الحركه , والتي لاأشك بمخاطرها ) التي تفرض وجود نظام سياسي متطور يفسح المجال للشعوب للمشاركه في تقرير مصيرها وإختيار قياداتها والمشاركه في صنع مستقبلها بحريه بعيدا عن الأبويه والتسلط والديكتاتوريه وحكم مافيات الفساد وإستفرادها بالتحكم بمصير العباد والبلاد ..

نعم , أنا اعمم , وعن قصد في محاولتي قراءه ما يحدث حاليا في مصر وما يعتمل عمق الشعوب العربيه من المحيط الى الخليج , وما تعميمي هذا إلا تعبيراً عن تمنياتي لأمتنا العربيه أن لا تبقى على هامش تاريخ الإنسانيه , مكبله بقيود التخلف المصطنع الذي فرضته انظمه جامده متحجره , ادت لإنعدام وزن 360 مليون عربي يعيشون على احد اغنى بقاع الأرض , على إمتداد بقعه جغرافيه ذات اهميه إستراتيجيه بديهيه , ويمتلكون من التاريخ الباهر ما لا تمتلكه إلا قله من شعوب العالم , إنعدام وزن ادى لميلان ميزان القوى الدولي , دوما, لصالح حركه صهيونيه مصطنعه , فرضت كيانا دخيلا في قلب المنطقه العربيه , وتفرض اليوم نفوذه من عٌمان الى المغرب , ومن جنوب السودان الى دلتا النيل ..

نعم انا إستشهدت في مداخلاتي بالتجارب الناجحه لشعوب العالم بإنتزاع حرياتها الديمقراطيه , لأن الحقبه التاريخيه متشابهه , ولأن الدوافع متقاربه , ولأن طبيعه الحركه الشعبيه وشعاراتها ليست بعيده عن بعضها بعضاً ..

واصدقكم القول بأنني تفاجئت بالأمثله التي يسوقها بعض الإخوه للتدليل على ’’ان الشعوب لا تعرف بالضروره مصالحها ’’ , متناسين بأن كل منها يشكل تجربه فريده تختلف في طبيعتها , وفي دوافعها , وفي اهدافها وشعاراتها , وفي التركيبه السياسيه والإجتماعيه للقائمين عليها , وفي ظروفها المحليه والإقليميه والدوليه , وفي مرحلتها التاريخيه ايضا ..
  فليس هناك اي وجه شبه بين تجربه غيفارا في بوليفيا , مثلا ,  وغيرها , فهي تجربه إفتقدت اي عمق جماهيري يُذكر , واتت في وقت كانت به الحركه الشيوعيه تشهد إنقسام نظري حاد ادى الى تخلي حتى الماركسيين اللينيين البوليفين انفسهم عن جيفارا ورفاقه , ولم أرى  ايه إنجازات حققتها الدول التي كانت تدور في فلك الإتحاد السوفيتي , إلا إذا كان الإصطفاف في الطوابير امام المخابز العامه للحصول على رغيف خبز , إنجازا , ولم اجد المواصفات الوطنيه الثوريه لمجموعات الأفغان المموله والمسلحه والمنظمه من قبل المخابرات المركزيه الأمريكيه الباحثه (في حينه)عن تحويل افغانستان الى فيتنام للسوفييت , مجموعات وضعت نفسها في خدمه المخابرات الباكساتنيه بعد دحر الإتحاد السوفيتي لتسيطر على افغانستان لتكون عمقا إستراتيجيا لباكستان في صراعها مع الهند , ولا البعد الجماهيري الشعبي للحرب الأمريكيه التي اسقطت نظام صدام في العراق , ودمرت مقومات الدوله العراقيه , وجيشها الذي كان به أن يكون حامي وحده البلاد والمُشرف المؤهل لضمان إحلال الديمقراطيه وطنيه حقيقيه في العراق , ولاحتى في الثوره الشعبيه التي اطاحت بنظام الشاه في إيران والتي كانت ذات بعد ديني متجذر عند الشيعه ومُنظم بهيكليه دينيه قادمه من عمق تاريخ تلك الطائفه تفرض عليها الإلتزام المطلق بتعليمات من اصبح لاحقا ’’إمامها’’ (الخميني) والذي كان يمتلك تاريخا طويلا في معارضه الشاه إضافه الى شخصيه قويه ومُشعه تؤهله لتحريك الجماهير وقيادتها ..

  اسوق ما سبق في محاوله للإقتراب من التشخيص الأدق للتجربه التي نشهد معالمها اليوم في مصر , وبداياتها في دول عربيه اخرى ..



لا يخفى على هؤلاء الأخوه الذين يضربون امثله كثيره ومتعدده لإثبات ان الثورات قد تؤدي الى عكس ما يتمناه مطلقيها ,  ان الشعب العربي المصري يمتلك ثروه إنسانيه ضخمه , ممثله بنخبه السياسيه والإجتماعيه والإقتصاديه والثقافيه والفنيه والإعلاميه , كما وانه يمتلك تاريخا وطنيا عارما قائما على تجربه طويله جدا متجذره في عمق التاريخ , ناهيك عن جيش قوي ومتماسك , مهني ذو نزعه وطنيه تجذرت به منذ حرب 1948 , اهلته لإفراز كل رؤساء مصر الحديثه , وتؤهله لمتابعه ومراقبه التحولات السياسيه والمحافظه عليها ضمن الإطار الذي يضمن بقاء مصر جزؤا من عالمها الواقعي , لأنها بحاجه ماسه له ولدعمه الذي يعوض الخلل الناجم عن تعداد هائل للمواطنيين مقابل ثروه طبيعيه محدوده ..

إن إتفقنا على ان التقدم والرقي بالنظام السياسي المصري بإتجاه المزيد من الحريات الديمقراطيه اصبح اليوم بديهيه يعترف بضرورتها كل القوى الفاعله والمؤثره بالمجتمع المصري , بما فيها قوى السلطه نفسها التي كانت تحجب هذه الحريات الديمقراطيه وتقف عائقا امام حصولها , فلماذا لا نصغى لنبض تلك القوى مجتمعه , ولا نضع ثقتنا الكامله بمقدرتها على إدخال التعديلات التي تفرض نفسها بنفسها , ولماذا لا نراقب ونتعلم من هذه التجربه عوضا عن تنصيب انفسنا أوصياء (لم اجد مصطلح اقل حديه !)عليهم جميعا , وكأنهم عاجزين عن رؤيه المخاطر المحدقه بوطنهم وبمسيرتهم بإتجاه نظام اكثر شفافيه ويتسع لحرياتهم الديمقراطيه ؟؟

إذا كنا متفقين على حتميه الخروج من الأزمه التي تعصف بمصر , بأفضل الممكن وبأقل الخسائر , فبإمكاننا الإتفاق على ما أقره الرئيس حسني مبارك بنفسه , وهو أن عهده قد إنتهى , وبأن النظام الذي كان قائما لم يعد يصلح لضمان إستقرار مصر وتطورها وتقدمها , وبأنه بحاجه الى تعديلات وتغييرات بإتجاه إطلاق الحريات الديمقراطيه الضروريه لمثل هذا التطور والتقدم ؟؟

لن اختلف مع اخواني هؤلاء لاعلى وتيره التغيير , ولا على سرعه التقدم بإتجاه هذا التغيير , ولا على المخاطر التي يتضمنها هذا التغيير , ولا على المتربصين بمصر وبشعبها وبمستقبلها , ولا على ضروره ترسيخ وتجذير الثقافه والتجربه الديمقراطيه في الصف الوطني الديمقراطي ليكون قادرا على مواجهه فاشيه الإخوان المسلمين المنظمه والمتربصه منذ زمن طويل جاهزه لإنتهاز الفرصه حينما تتاح لها , ولا على ضروره رفض الإملائات الخارجيه , والتي يجب وضعها في إطارها الصحيح كمجرد تأقلم مع الظروف وركوب للموجه للحفاظ على التوجه السياسي العام لمصر كمرتكز اساسي للإستراتيجيه الأمريكيه في المنطقه , القائمه على المحافظه على جدار امان للكيان الصهيوني في قلب المنطقه العربيه , حتى لو كان ذلك الأمان يتسم بالفتور وبالبروده , وليست كما يردد البعض ’’مؤامره’’ على بطل قومي يُشكل وجوده جدار امان للأمه العربيه وللشعب الفلسطيني , ويعمل ليل نهار على دعم الشعب الفلسطيني في معركته لإنتزاع حريته وإستقلاله الوطني ...

ليست هناك تعليقات: