السبت، ١٢ شباط ٢٠١١

حول إنتفاضه مصر ـ سقوط الجدار ـ 4

بعض الأخوه يختصرون  الحدث كثيراً عندما يوجزوه  ب ’’مؤامره’’ , وكأن ما كان قائماً في مصر قبل الأحداث كان يمثل افضل الأحوال التي يتمناه المواطن لوطنه ..

** رئيس ,( مهما كان تاريخه مُشرفاً ), عدل الدستور ليسمح لنفسه بالتمديد لحكمه ثلاثين عاما .. (1)
** رئيس ,عدل الدستور ليقطع الطريق على ترشح اي معارض ..
** رئيس سمح لحزبه ان يمهد الطريق لإحلال ابنه خليفه له ..
** رئيس كان يرى ويسمع بالفساد حوله وفي برلمانه وحزبه ولم يواجهه ..

أليس ذلك وحده كافيا لأن يُشكل دافع للمواطنيين للمطالبه بالتغيير ؟؟

الرئيس كان خير العالمين بتمدد تنظيم الإخوان المسلمين في الساحه المصريه , فمخابراته كانت في كل مكان , فلماذا لم يرى (بحكمته !!) أن كل ما سبق يقدم لهؤلاء حججاً إضافيه للتمدد , ويفتح لهم المجال لبناء تحالفات مع قوى معارضه وطنيه لو فُتح لها المجال للمشاركه بالحياه السياسيه لما كانت تحالفت مع من يحمل افكاراً تتناقض جذرياً مع مقومات الحريه التي يطالبون بها ؟؟

لماذا , ب(حكمته !!) , إنتظر أن تمتلاء شوارع مصر بالشباب المُطالب بالتغيير ليُقدم على إعلان قبوله بما كان عليه القبول به منذ زمن طويل ؟؟
أليس في ذلك إعتراف صريح ( ومتأخر ) بشرعيه مطالب المعارضه , وبصحتها ؟؟

هل كانت مصر , (والدول العربيه التي ستتبعها ) بحاجه الى مثل هذه المعمعه والفوضى حتى يرضخ الحاكم لبديهيات من نوع ...

** حق الحكم ليس ابدي , ولا مكفولا لأحد مهما كان حجمه وتاريخه وتضحياته ..
** حق الحكم لا ينتقل بالتوريث ..
** الدستور ليس العوبه يغيرها الحاكم على هواه وحسب مصالحه ..
** الفساد مرض فتاك يجب محاربته في كل مكان وزمان ..
** الوطن ليس ملكا خاصا لأحد بل هو ملك ابنائه ومواطنيه ..


نعم هناك قوى لا تريد قطف العنب واكله فقط بل تسعى لقتل الناطور , وهل هذا بجديد علينا, وعلى الحكام ؟؟ 

ألم يدّعوا انهم خير العالمين بوجود تلك القوى , وانهم هنا لمجابهتهم ؟؟ وهل مانراه  في شوارع مصر يثبت لنا انهم نجحوا في مواجهتهم ام انه يثبت العكس من ذلك تماما ؟؟ من هو المُحاصر اليوم , هل هو النظام ام هو ’’الجماعه’’ ؟؟ ألا تعتقدون معي بأنه لو كان النظام قد فتح الباب للمعارضه الديمقراطيه لولوج اللعبه السياسيه , واطلق الحريات العامه , ووضع القانون فوق الجميع , وحارب الفساد , ورَسخ الدستور ليكون ميثاق الجميع , لكان حصر الإخوان المسلمين في اضيق اطرهم ووضعهم على الهامش ؟؟
أليست انسب إستراتيجيات التعامل مع المتناقضات هي التي تمكنك من حصر عدوك في اضيق نطاق عبر توسيع قاعده اصدقائك وحلفائك ؟؟
آسف إن لم اتفق مع هؤلاء الأخوه  على تبسيط الأمور وإختصارها ب ’’مؤامره’’ , فما يحدث حولنا هو عمليه ولاده لعالم عربي جديد , كانت بها شعوب المنطقه حبلى منذ زمن طويل , وكل ما يمكننا ان نتمناه هو ان تكون عمليه الولاده بالتساهيل , فعليها يعتمد شكل الطفل الجديد ..

الظاهر انني اختلف مع هؤلاء في اكثر من موقف ( والإختلاف , لا يفسد للود قضيه ) , فالديمقراطيه ( رغم شوائبها ) ليست خدعه كما يرددون , بل هي ثقافه إن تم إستيعاب محتواها وتعاليمها لسمحت لأبناء الوطن الواحد ان يقننوا إختلافاتهم وتناقضاتهم , وأن يضعوها في إطارها الصحيح كإختلافات طبيعيه بالإمكان حسمها بأمن وسلام , عبر فرز أغلبيه واقليه وتنظيم العلاقه ما بينهما ..



(1) .. الجنرال شارل ديغول كان له الفضل في إطلاق شراره المقاومه الفرنسيه , وفي تنظيمها , وقيادتها لتحرير فرنسا من النازيه , وعندما إختلف مع الجمعيه التأسيسيه , التي كانت تعمل على وضع دستور ما بعد الحرب , بُعيد دخوله باريس على رأس قوات فرنسا الحره , قدم إستقالته , وتنحى ..
وعرض وجهه نظره في الديمقراطيه التي يتمناها لفرنسا في خطاب تاريخي عام ال46 , وهي وجهه نظر لم تلق تجاوبا من قبل الصف السياسي الفرنسي , فإنعكف على تشكيل حزب سياسي مهمته تقديم تصور جديد لخريطه المسرح السياسي الفرنسي , وبعد خساره حزبه في إنتخابات عام ال54 , إنسحب من الحياه السياسيه الفرنسيه وإنكفاء على كتابه مذكراته في قريته , ولم يعد للحكم إلا بعد أن توجه له رئيس الجمهوريه الفرنسيه رينيه كوتي الذي كان يتخبط في ازمه سياسيه مزمنه , فعاد الجنرال كرئيس حكومه مهمتها تعديل الدستور , وتم عرضه على إستفتاء عام وحظي بالأغلبيه عام ال58 , وبناء على الدستور الجديد تم إنتخاب ديغول رئيسا للجمهوريه الفرنسيه في اواخر ال58 ..وكانت اول مطالبه عندما دخل قصر الإليزيه هي ان يتم تركيب عداد كهرباء ثاني لمكتبه , يقوم بتشغيله عندما ينتهي من الإهتمام بشؤون الدوله , ويلجاء لقرائه كتبه المفضله , على ان يدفع من معاشه فاتوره ذلك العداد ..
وبعد الثوره الشبابيه في ال68 , عرض الجنرال إدخال تعديلات جديده على الدستور , وعرضه على إستفتاء عام في 27/4/1969 , ولم تحظى تلك التعديلات إلا ب 47% من الأصوات , فقدم الجنرال إستقالته في اليوم التالي , وسافر الى ريف ايرلندا حتى لا يؤثر على الإنتخابات من بعده , إنتخابات صوت بها بالوكاله من ايرلندا ..

أليس في ذلك الكثير من العِبَر ؟؟

ليست هناك تعليقات: