السبت، ١٢ شباط ٢٠١١

حول إنتفاضه مصر ـ سقوط الجدارـ 1

لقد تابعت عن كثب ردود افعال الكثير من الأخوه على صفحات منتديات الحوار المتعلقه بما يجري في ساحتنا العربيه من احداث تاريخيه متسارعه ادت الى سقوط حكم الرئيس بن علي في تونس , وتهز حاليا اركان نظام حكم الرئيس حسني مبارك في مصر , وتصل ذبذباتها الى الجزائر والمغرب والسودان والأردن ومصر , والمرشحه لأن تطال كل انظمه الحكم في وطننا العربي الكبير ..

ردود الأفعال تلك يمكن تلخيصها بدفاع بعض الأخوه عن الأنظمه التي تهتز امام التحركات الشعبيه , تخوفا من إنعكاساتها الآنيه والمستقبليه على الوضع الفلسطيني وخاصه منه التوازنات الداخليه الفلسطينيه ,وعلى صراعنا كحركه تحرر وطني مع قوى الظلام المتمثله بهؤلاء الذين لم يتورعوا عن شق الساحه الفلسطينيه والذين فرضوا انفسهم بالحديد والنار على غزه , حيث ان تحليلات هؤلاء الأخوه تأخذ ضمنا التخوف المشروع من ركوب جماعه الإخوان المسلمين موجه التغيير الحاليه , وإحتمالات تعزيزها لنفوذها في تركيبه السلطات المُستقبليه في الدول العربيه , والمخاطر الجمه التي يحملها مثل ذلك التغيير على وضعنا الفلسطيني الراهن , وعلى موقع حركه فتح في صدر قياده دفه السفينه الفلسطينيه ..
وعلى اساس هذه الخلفيه , المفهومه والواقعيه , عمل هؤلاء الأخوه على التركيز على السلبيات التي رافقت الإنتفاضات الشعبيه من اعمال تخريب وسطو وعنف , وعلى التحذير من نتائج التغيير على ’’إستقرار’’ تلك الدول العربيه , وأشار الكثير منهم الى بعض الشخصيات التي ركبت موجه التغيير والى علاقاتهم الخارجيه وتاريخهم لإثبات الفكره ,المجتزاءه والخاطئه, التي تقول بأن مايحدث ليس إلا مؤامره غربيه هادفه لزعزه الأنظمه العربيه , والتي ذهب البعض بعيدا عندما إعتبرها سدا مانعا امام الصهيونيه , وسندا للشعب الفلسطيني , ناسبا لها كل تضحيات الشعوب العربيه وبطولاتها في المعارك التاريخيه العديده التي خاضتها الأمه العربيه في مواجهه التمدد الصهيوني في المنطقه العربيه , وبجره قلم نسب هؤلاء الأخوه تاريخ امتنا المجيد لهؤلاء القاده والحكام ..

آسف ايها الأخوه ان لا اتوافق معكم , وجَلّ من لا يٌخطئ , وان ارى ان تحليلاتكم , وإن تفهمت دوافعها , تبقى صادمه للعقل وللمنطق , وتتعارض كليا مع مجرى التاريخ , وتشوه الماضي , ولاترى كل المؤشرات الإيجابيه التي تحملها تلك الأحداث للمستقبل , وخاصه لمستقبل صراع شعبنا لإنتزاع حقوقه الوطنيه , ولدحر الأطماع الصهيونيه …

***

كرامه الإنسان في وطنه هي حق إنساني طبيعي غير قابل للتصرف , وهي مُكتسب إنساني ضحى من اجله ملايين البشر في كافه بقاع الأرض لتصبح احد اهم مقومات حضاره عالم ما بعد الحرب العالميه الثانيه ..
ولا كرامه للإنسان بدون حقوق , إبتداءا من الحق في الحريه (فرديه وعامه ), وصولا الى حق المشاركه في تقرير مصيره في وطنه , وتقرير طبيعه النظام التي يتمنى الإنسان ان يعيش في ظله , فهو مصدرالشرعيه الحقيقيه الوحيد , و دون رضاه لن يستديم نظام إلا من خلال تسلط وقمع يجعل منه نظام غير مشروع , مكروه وملفوظ من مواطنيه , آني معرض لهزات شعبيه تؤدي في النهايه الى سقوطه (سلمياً او عن طريق العنف ) ..

هي الديمقراطيه فقط التي تضمن للمواطن مكانته الحقيقيه في وطنه , فهي النظام السياسي الوحيد الذي يعتبر المواطن حقا منبع شرعيه السلطات , يقرر الميثاق الجماعي (الدستور) الذي يجمع مكونات المجتمع ويحدد قوانين علاقاتها ببعضها , وحقوقها وواجباتها , ويقرر عبر الإنتخابات الممثلين الحقيقيين للقوى الفاعله في صفوف الشعب , ويُشَرّع من خلالهم القوانين , واليه يعودون لتقديم كشف حساب لما فعلوه بالأمانه التي منحها لهم ناخبيهم , فيعطيهم شرعيه الإستمرار , او ينزعها عنهم لتسليمها لآخرين , كل ذلك تحت رقابه سلطات مُستقله (القضاء , والصحافه , والرأي العام ممثلا بالنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ) , توازن السلطات التنفيذيه , وتضمن إلتزامها بالدستور وبالقوانيين المُقره ..

ليس غريبا ان يكون ذلك النظام الديمقراطي قد حاز على إجماع اغلبيه شعوب العالم , فإندفعت مُطالبه به , وضحت من اجل فرضه وتطبيقه في اصقاع الأرض , وامامها إنهارت اعتى الديكتاتوريات , والأنظمه الشموليه , من اليونان الى البرتغال وإسبانيا مرورا بدول اوروبا الشرقيه , وامريكا اللآتينيه , واغلبيه دول أسيا

فلم التعجب أن يقرع التطلع الى الحريه والديمقراطيه ابواب الشرق الأوسط ؟؟
أليست تلك هي الحتميه التاريخيه بأفضل تجلياتها ؟؟

***

العالم العربي , حتى شراره الإنتفاضه التونسيه , عاش وكأنه خارج سياق التاريخ , ولم يحدث فيه ابدا اي إنتقال طبيعي للسلطات إلا من خلال ’’ثورات’’ عرش نقلت السلطه من حاكم مستبد لمثيله , او من خلال إنقلابات عسكريه دمويه سرعان ما ثَبَتت أنظمه ديكتاتوريه متسلطه أسواء من تلك التي ثارت عليها , او بعد موت السلطان وتسلم ’’وريثته’’ مقاليد الأمور من بعده , وليس من باب الصدفه اننا لن نجد في كل عالمنا العربي رئيسا سابقا يعيش بكرامه في ربوع وطنه معززا مكرما بعد ان ادى واجبه الوطني إتجاه شعبه , وسلم مسؤولياته الى من حظي بعده بشرف المسؤوليه والأمانه (إلا في لبنان والتي له خصوصياته ) ..

واقع الحال يُثبت بكل اسف بأن الحكام العرب بشكل عام لايكنون ادنى إحترام لمواطنيهم , ويعتبرون السلطه حقا لهم وحدهم ولذريتهم ولخدمهم وحشمهم , إستأثروا في معظم الحالات بمقومات البلد الأقتصاديه , فنهبوها وعاثوا بها فسادا , واعتبروا اوطانهم مزارع خاصه بهم , ومواطنيهم عبيد لهم , فسلطوا عليهم اجهزه المخابرات والقمع , وملأوا سجونهم بكل من حلم بنسمه الحريه , او طالب بالتغيير , ولم يسلم من اذاهم ولا حتى البريئ , فزجوه بسجونهم ليكون عبره للآخرين , افرغوا البرلمانات من ممثلي الشعب إن وجدوا , ووضعوا مكانهم خدمهم والمستفيدين منهم , ليصبح البرلمان مجرد غرفه تسجيل لقراراتهم , يصفق لهم وبحمدهم يُسَبِح ليل نهار , لاحقوا كل معارضه وطنيه صادقه بحجه الدفاع عن الوطن امام القوى الخارجيه , فحجموها حتى لا تكون يوما بديلا لهم , خلقوا احزابا وهميه , فارغه مفرغه , ملأوها بأعوانهم وبالمستفيدين والمتسلقين , لتطبل وتزمر لهم , وإكتفوا بها دليلا على شرعيتهم المزعومه , حجبوا عن الشعب حرياته وحقوقه , وقيدوا الكلمه الحره بالصحافه , وإشتروا عديمي الضمائر من الصحافيين والكتبه , فسخروا الإعلام في خدمه الحفاظ على نفوذهم , ملأوا المساجد بواعظيهم , واطلقوا لهم حريه الفتاوي بما هب ودب من شؤون العباد , شرط ان يٌعبؤا العباد بالولاء للسلطان , وأن يضفوا لمسه دينيه عليه وعلى ذريته , وأن يُكَفِروا من عارضه , حاربوا كل فكر نقدي متحرر , فتحولت المدارس والجامعات الى مؤسسات في خدمه السلطان , ومنها هرب كل مُفكر وباحث وعالم يحترم نفسه , ومن تبقى منهم فيها فرض على نفسه قيودا ذاتيه تقيه بطش السلطان , وتضمن له وظيفه تقيه واطفاله شرور الفقر والعوز والحرمان ..فتحوا البلاد على مصراعها للمنتوجات الغربيه وللشركات الأجنبيه بشرط دفعهم عدا ونقدا لخزينه السلطان ولأولاده وحاشيته , فأضعفوا الإنتاج المحلي , وحرقوا المزارعين والفلاحين في نار منافسه الشركات متعدده رؤوس الأموال , باعوا اجمل مناطق الوطن لشركات السياحه الأجنبيه , واستولوا على ما تبقى منها , وحولوا المواطنيين الى خدم يقتات من فتات موائد السواح الأجانب

بإختصار ..
لم يكونوا على مستوى العهد والأمانه التي إدعوها عند سيطرتهم على السلطات , وحجبوا عن الوطن امكانيات اللحق بركب العصر الحديث , وعن المواطن امكانيه العيش بحريه وكرامه على ارض وطنه ..

فلما العجب إن ثارت عليهم الجماهير ؟؟
وهل قدر المواطن العربي ان يبقى خاضعا خانعا لمن يحتقره ويدوس كرامته ويحجب عنه حقوقه وحرياته الأنسانيه الطبيعيه ؟؟

ام ان بعض الإخوه إعتقد حقا بأن العربي يختلف عن بقيه البشر , عديم التفكير , جبان , عاجز , سيكتفي الى ابد الآبدين بفتات موائد السلطان , يحمده بالعلن ويدعوا عليه في قلبه وضميره ؟؟

لا تتعجبوا اخوتي ..
مانراه اليوم امام اعيننا هو حتميه تاريخيه , تَكتبها الجماهير العربيه في سياقها الطبيعي , ومن لا يفهم ذلك من الحكام ولايقرأه على حقيقته , ومنه لا يعتبر , فمصيره لن يكون بأفضل من مزابل التاريخ ..

لا تتعجبوا اخوتي ..

فلقد إنتقل الخوف من صف الجماهير الى صف الحكام , وهو ما ينذر بتغييرات حقيقيه ستشهدها الساحه العربيه , تغييرات سلسه وسلميه إن تعامل معها الحكام بحكمه مبنيه على قرائه دقيقه للحدث ولمسيره شعوب العالم , او تغيير عنيف دموي مُدَمر إن هم تمادوا في محاوله الإحتفاظ بإمتيازاتهم وسلطاتهم وتسلطهم ..

فلنتمنى , عوضا عن التهليل للسلطان , أن يحفظ الله مصر وباقي اقطارنا العربيه من مخاطر الإنتقال العنيف للسلطات , وأن يلهم حكام تلك الأقطار الحكمه الكافيه لتفهم ما يحدث حولهم , ويسرعوا عجله التغيير , قبل فوات الآوان , فالتاريخ حافل بمن خرجوا من رحم انظمه بدائيه بائده , وتجاوبوا مع الحتميه التاريخيه , فأبعدوا شبح الدمار عن اوطانهم ورافقوا المتغيرات ..
فدخلوا التاريخ من اوسع ابوابه ..

ليست هناك تعليقات: