الأحد، ١٤ تشرين الثاني ٢٠١٠

وبعد كل ذلك تتسائلون عن خط فتح النضالي

كُتب في 20/05/2010


الصراع في داخل فتح , بمعناه الإيجابي كنقاش دائم , هو ميزه من مميزات الحركه , والتغيير , بمعنى التأقلم (وليس الخضوع ) مع الظروف المحيطه , هو جزؤ من طبيعه الحركه , وعامل قوه من ضمن العوامل الأخرى , ففتح لم تكن يوما حزباً ايديولوجياً , بل بوتقه , تجمع حول هدف تحرير فلسطين كل من رغب بالمشاركه في هذه المسيره , وكل من آمن بحق شعبنا بالحريه والإستقلال الوطني على ارض وطنه على اساس التحديد الواضح للعدو الرئيسي , وهي , لذلك ومنذ إنطلاقتها , سعت دوماً الى تقليص حجم كل التناقضات الثانويه ما بين مكوناتها (بالتوافق في اللجنه المركزيه) , وما بين مكونات الحركه الوطنيه الفلسطينيه (من خلال لجنه تنفيذيه فاعله لمنظمه التحرير الفلسطينيه ) , والى تجيير تلك التناقضات في مصلحه تقويه مواقعنا في مواجهه العدو الرئيسي , والذي حددته بوضوح بالإحتلال الإحلالي الجاثم على صدور شعبنا , والساعي لإلغاء وجودنا وحقوقنا على ارض وطننا التاريخي (قرارات المجالس الوطنيه الفلسطينيه المختلفه ) ..


وماكان لفتح أن تستمر في قياده النضال الوطني الفلسطيني لولا هذين العاملين (الحوار الداخلي الدائم مابين مكوناتها , والتأقلم الدائم والمستمر مع الظروف والعوامل الخارجيه ) ,
وإن كان لنظريه داروين الشهيره ( التطور او الفناء ) تطبيقاً سياسياً , لكانت فكره فتح هي التعبير الأنسب عن تلك النظريه , فبدون الحوار الداخلي المستمر ليس هناك إمكانيه لإستكشاف انسب المواقف في لحظه ما وظرف ما , وبدون ذلك الموقف الأنسب , لاحياه لقوه لا تمتلك من عوامل الدوام إلا إلتفاف اغلبيه الشعب الفلسطيني حولها ,( حيث لا يخفى على احد منكم ان فتح هي القوه الفلسطينيه الوحيده التي لا تمتلك حلفاء خارجيين دائمين , بحكم وضعها مصلحه شعب فلسطين فوق كل المصالح الإخرى , وبحكم إيمانها بضروره إستقلاليه القرار الفلسطيني كشرط رئيسي للحفاظ على البوصله في إتجاهها السليم )..


***


كل المراحل التي مرت بها حركه فتح , تُعبر عن التطور والتأقلم الناتج عن الحوار الداخلي المستمر في حركه فتح , فلولا ذلك الحوار لما كان لنا ان نستكشف الموقف الأسلم , ولما كان لنا ان نجتاز كل منها بتحقيق خطوه الى الأمام بإتجاه الهدف المنشود ,
وكل من تلك المراحل كانت ايضاً نتيجه لمتغييرات على محيطنا العربي والدولي , متغيرات فرضت علينا التأقلم معها من اجل الإستمرار في المسيره ...
فلولا هزيمه الأنظمه العربيه في عام السبعه وستين , لما كان لنا ان نتمدد بالسهوله التي تمددنا بها ..
ولولا فوضى السلاح في الساحه الأردنيه لما كان لنا ان نمر عبر تجربه ايلول الأسود ..
ولولا تجربه ايلول الأسود , لما كان لنا ان نقر مشروع النقاط العشر الذي كان بدايه ولوجنا المسار السياسي ..
ولولا موت الرئيس الخالد عبد الناصر , وإستفراد أنظمه المزايده الديماغوجيه الثورجيه (السوريه والعراقيه والليبيه ) بالساحه الوطنيه العربيه , وتمزيقها لها في خلافات مصلحيه , وحسابات آنيه , لما كان لقرارنا الوطني المستقل ان ينحصر في الساحه اللبنانيه ..
ولولا حرب الثلاثه وسبعين التحريكيه لما كان لمصر ان توقع معاهده كامب دافيد ..
ولولا توقيع معاهده كامب دافيد , وتآمر النظام السوري , لما كان ما كان في لبنان ..
ولولا ما كان في لبنان لما وجدنا انفسنا في تونس بعيدين عن اي إلتصاق مباشر بمحيط وطننا ..
ولولا بعدنا هذا لما كان التركيز على الداخل الفلسطيني , ولا حتى فكره الإنتفاضه الشعبيه ..
ولولا الإنتفاضه لما كان لنا ان نحلم بالعوده السريعه الى ارض الوطن ..
ولولا سقوط الإتحاد السوفيتي وسياده نظام القطب الواحد , لما تدفقت الهجره اليهوديه الى اراضي فلسطين , ولما وجدنا انفسنا في سباق مع الزمن من اجل الإسراع بالعمليه السياسيه للعوده الى ارض الوطن لإنقاذ الممكن منه الذي اصبح مهدداً بخطر إستيطان محموم متسارع ..
الخ ..


طبعا , لا ادعي ان ما سبق هو تحديد تاريخي دقيق للمتغيرات في محيطنا العربي والدولي التي تركت بصماتها على مسيره فتح , بل اوردت جزؤا منها من الذاكره لتوضيح وجود علاقه جدليه ما بين متغيرات محيطنا ومواقفنا , ولتوضيح اننا لا نعيش خارج إطار العالم , بل في قلبه , نتأثر بمتغيراته , ومجبرين على التأقلم معها (وليس بالضروره الخضوع لها ) تحت طائله الإضمحلال والزوال ,
والشرط الرئيسي للتعامل الأنسب مع تلك الظروف المتغيره , وللإستفاده منها لخلق تراكمات إيجابيه لشعبنا , كان دوماً هو الحوار الدائم مابين مكونات مطبخ القرار الفتحاوي التاريخيه ..


***


سيد الشهداء , رغم بروزه كقائد مميز للمسيره الفلسطينيه , لم يكن وحيداً خلال الجزؤ الأكبر من تلك المسيره في تقرير مسار ومسيره القافله , فلقد كانت حوله كوكبه من الأباء التاريخيين , الذين يمتلكون من الحنكه وقوه الشخصيه وعمق الإيمان بأنفسهم وبدورهم التاريخي في مسيره شعبهم , ما لا يسمح لهم بأن يقبلوا لعب دور دميه جامده على كرسي لجنه مركزيه , ونتيجه لمشاربهم السياسيه المختلفه قبل إلتحاقهم بالحركه , كانوا فعلا يمثلون بمجموع مواقفهم التعبير الصادق عن ما يعتمل في النفس الفلسطينيه من أمال والآم , وكان لكلمه وتحليل كل منهم وقعها واثرها في القرار , اما سيد الشهداء فلقد كان في معظم الأحيان يعبر عن نقطه الوسط الجامعه لهم , وهكذا كانت فتح رغم غياب الديمقراطيه البحته عن إطارها التنظيمي (الديمقراطيه المركزيه) , كانت تُعبر دوماً عن ما يتفاعل في الجسد الفتحاوي من مواقف سياسيه , وكان كل منا يشعر بأن ما يصدر عن الحركه يمثل الجزؤ الأكبر من قناعاته التي ترسخت من خلال النهل من منابع فتح الفكريه ومن ماتعلمناه منها من ضرورات تفهم العلاقه الدياليكتيكيه ما بين النظريه ومتغيرات الواقع ..


ليس من باب الصدفه اطلاقاً ان القوى المعاديه , ولا اقصد هنا الصهيونيه لوحدها , إستهدفت إضافه للشعب الفلسطيني , قياداته التاريخيه المؤثره في القرار السياسي والتي كانت دوماً تلعب دورا هاما في وضع معالم الطريق وفي تحديد حدود الموقف السياسي , فإستهدافهم كان دوماً يهدف الى تفريغ دائره صنع القرار الوطني الفلسطيني المستقل من صناع ذلك القرار , من اجل تكريس واقع يفرض القرار في يد قائد واحد واوحد , مع كل ما يعنيه ذلك من ثقل للأمانه , ومن صعوبه في قرائه متغيرات الواقع , ومن إمكانيه إرتباك البوصله , وإبتعاد الموقف السياسي عن مشاعر الجماهير التي كانت دوماً هي حاميته الأمينه ..


وليس من باب الصدفه ايضا عمليه إغراق الساحه الفلسطينيه بالأموال والإمتيازات , فهي كانت خطوه مكمله للأولى , لأن إفراغ دائره صنع القرار دون محاوله إفساد هؤلاء المؤهلين لملئ الفراغ , لن تحقق هدف تسييب ذلك القرار ..


بإمكاننا قول الكثير الكثير عن المرحله ما قبل الأخيره من فتره سيد الشهداء (ما بعد إستشهاد القاده ابو جهاد وابو اياد وابو الهول , مروراً بأوسلوا , حتى حصاره في المقاطعه ) , ولكننا في نهايه المطاف لا نستطيع إلا الوقوف اجلالا لمقدرته الهائله على إستشفاف طبيعه تلك المرحله ومخاطرها , وعلى إتخاذ القرار الأنسب , رغم خلو محيطه من اغلبيه رفاق دربه التاريخيين , الذين كانوا يساهمون في إناره دربه هذا ..


بتصوري , ان معالم الإنفصام الحقيقي ما بين فتح التي عرفناها معبره عن جماهيرها , و’’فتح الجديده’’ التي نرى اليوم بعض معالمها , إبتداءت في تلك المرحله , مرحله لم يعد فيها القرار الفتحاوي محصله للحوار الدائم مابين قادتها التاريخين (نتيجه إستشهاد الجزؤ الأكبر منهم , والعزل الجغرافي للبعض الآخر ) , وبالتالي اصبح تطورها منعزلا عن جماهيرها , ومرتبطا فقط بطموحات بعض ’’اُمرائها ’’ الذين نموا وترعرعوا وتحاربوا لبسط نفوذهم , مستغلين غياب وتغييب القاده التاريخيين والحصار الخانق الذي كان يعيشه سيد الشهداء , ومرتبطاً ايضا بنظره احاديه الجانب للمتغيرات الإقليميه والدوليه , لا ترى فيها إلا وهم نافذه الحل السياسي المفتوحه والتي علينا (بناءاً على تصوراتهم ) إستغلالها وعدم إضاعه الفرصه المتاحه (اللهاث خلف الجزره التي اثبت الزمن انها كانت تبتعد عنا كلما إقتربنا منها ) …


مقاومه سيد الشهداء لهذا التغيير السلبي عبر دفاعه المستميت وحيدا في المقاطعه عن إستقلاليه القرار الفتحاوي وبالتالي القرار الوطني الفلسطيني , والذي عبر عنه بتمسكه الشديد بكل مفاصل السلطه لتغطيه الفراغ الناجم عن غياب اعمده صنع القرار الفتحاوي , جعل منه المستهدف الأول الذي يجب إخراجه كليا من المعادله لفتح الطريق لإنطلاقه ’’فتح الجديده’’ , وهو ما حدث فعلا بإغتياله مسموماً في غرفته المعزوله , وليس من المستغرب ان تبقى تفاصيل تلك الجريمه مخفيه , لأنها كانت نقطه التحول التاريخيه التي اطلقت كليا يد القوى الساعيه للإستفراد بالقرار الفتحاوي , لتجييره كليا في صالح نظرتهم احاديه الجانب ل’’ الحل السلمي ’’ , لأن الكشف عن تلك التفاصيل سيؤدي حتماً الى كشف تلك القوى …


***


وهكذا , بغياب الحوار الدائم في لجنه مركزيه تُعبر عن مجمل الطيف الفتحاوي , اصبح تحديد اتجاه البوصله محصوراً في يد ’’قائد وحيد اوحد ’’ ,
وبغياب الحس السياسي المرهف لسيد الشهداء , اصبح القرار الفتحاوي عرضه للتأثر المباشر بكل الرياح العتاتيه التي تعصف بمنطقتنا ,
واصبح تحديد الموقف الأسلم هو من إختصاص ’’القائد’’ , ومطبخه الخاص , الغير معبر عن حقيقه ما يعتمل في وجدان الفتحاويين من مشاعر وتوجهات , بل فقط عن القراءه الإحاديه الجانب لذلك المطبخ للمتغيرات ...


***




تعويض الخساره الناجمه عن إستشهاد اغلبيه صناع القرار الوطني الفلسطيني المستقل المُعبر حقاً عن مشاعر الجماهير الفلسطينيه كان يجب ان يكون بتطبيق الديمقراطيه البحته ضمن اطر تنظيميه فتحاويه مفعله وفاعله , فبعد غياب القاده الذين كانوا يعبرون عن ما يتفاعل في الجسم الفتحاوي , اصبح من الضروري العوده الى الجسم نفسه ليفرز القياده التي تعبر فعلا عنه , وهذا ليس من باب التقليل من شأن احد , بل هو الطريق المنطقى الأسلم للمحافظه على شعله النضال التي اطلقتها الحركه , وعلى البوصله في إتجاهها السليم , وايضا على التفاف الجماهير حول الحركه , لأن القياده الغير مفروزه من القاعده لن تستطيع , إلا ماندر وبالصدفه , التعبير عن إراده تلك القاعده , وبالتالي لن تحظى بإلتفاف تلك الجماهير حولها , كما وانه كان الطريق الأنسب للمحافظه على ميزات الحركه التي ذكرتها سابقا ( الحوار المستديم , والتأقلم مع العوامل المحيطه )
كشرط اساسي وضروري لإستمراريتها ....


المؤلم والعجيب بنفس الوقت هو ان نفس من كانوا يعيبون على سيد الشهداء إستفراده بالقرار الفتحاوي ( وهو كما رأينا سابقا لم يكن مستفردا في ذلك القرار إلا في مرحله محدده من المسيره ) عندما تسنى لهم وضع الأسس الديمقراطيه السليمه لفرز قياده مٌعبره عن حقيقه الواقع الفتحاوي , تقاعسوا وإستحلوا مراكزهم القياديه , ولم يحركوا ساكنا من اجل البدء في إعاده بناء تنظيم فتح كخطوه اولى بإتجاه تصحيح الأوضاع الشاذه , لفرز قياده منتخبه بديمقراطيه شفافه , ولولا انهم توهموا بأن الحل السياسي اصبح على الأبواب , وانه من اجل تمريره بحاجه الى قياده تتلحف بمظاهر من الديمقراطيه , لما كانوا اقدموا على عقد ’’مؤتمر عام ’’ للحركه بالشكل الذي رأيناه , والذي ادمى قلوبنا بحكم كونه شابه بناء سقف لبيت قبل ان تكون جدرانه واعمدته قد تم إنجازها ..


لقد كانت ’’القياده الفتحاويه’’ تمتلك الوقت الكافي لبدء عمليه بناء صحيحه (من القاعده الى القياده) لو انها كانت فعلا ترغب بتصحيح اوضاع الحركه , وعوضا عن ذلك قامت تلك القياده بسلق تمثيل القاعده الفتحاويه , ورتبت لنفسها وفيما بينها مؤتمرا مبنيا خصيصا لإعاده إستنساخها , وبنفس الوقت إستغلت المناسبه ل’’تطهير ’’ حركه فتح من اباء تاريخيين يمثلون جزؤا من الوان الطيف الفتحاوي , والذين لم يتوانوا عن التحذير من مخاطر المرحله…


ورغم المظاهر التي اوحت للبعض بأن المؤتمر أعاد الحياه للأطر الحركيه , إلا ان الواقع اثبت بأن التغيير الوحيد الذي طراء على اوضاع الحركه كان مجرد تقاسم نفوذ ما بين المتنفذين الطامعين بالمزيد من النفوذ , إرتضوا به , وتوقفوا بناء على ما حصلوا عليه عن التعبير عن اطماعهم في حروبهم الإعلاميه , وكان ايضا عمليه إرضاء لبعض الذين كانوا مستائين منه ..
ما عدا ذلك , سِرْ , فليس هناك ما يستحق التوقف …
فلا ثقل ولا أثر للجنه المركزيه , لا في القرار السياسي , ولاحتى في كل ما يتعلق بأمور بالقضيه الفلسطينيه نفسها ..
ولا ثقل ولا اثر للمجلس المركزي , فهو اصبح مجرد مجلس تنفيسي ممتص للصدمات ..
وعلى ذلك قس ما تبقى ..
فلا خطه عمل لإحياء التنظيم ..
ولا خطه عمل اعلاميه تُذكر , وإن وُجدت فلا احد يرى لها اثر ..
ولا خطه عمل لعلاقات خارجيه , رغم كثره تنقلات مفوض العلاقات الخارجيه ..
ولا خطه عمل مالي ..
ولا ..
ولا ..
الخ ..


وحتى اللجان التي اُقرت في المؤتمر لمتابعه (تغييب ؟؟) قضايا هامه مثل المسؤوليات في مأساه غزه , او لمتابعه الوضع المالي للحركه , او للتحقيق في إغتيال كوادر هامه للحركه في غزه وفي لبنان , او في ظروف إستشهاد سيد الشهداء , فهي لجان اصبحت بحكم الماضي ,و كما كان الكثير منا يتوقع , ماتت يوم ولادتها …


وبكل اسى واسف , وبعد مرور مالا يقل عن عشره اشهر على المؤتمر , تأكدت الكثير من المخاوف التي كان العديد من الإخوه , وانا منهم , يطرحونها


’’وإذ به فعلا مؤتمر ل’’قائد ,
عوضا عن ان يكون مؤتمر قائد ..


...


***


وبعد كل ذلك تتسائلون عن خط فتح النضالي ,
وعن اسباب تقاعس الحركه في النضال الجماهيري,
وفي بقيه اساليب النضال ؟؟؟


اليست الأجوبه ماثله امامكم تفقئ حبه عين الناظر اليها ؟؟

ليست هناك تعليقات: