الأحد، ١ آذار ٢٠٠٩

’’التنظيم الفولاذي’’ غير موجود




كُتب في 27/01/2008

حتى في التنظيمات التي كانت تدّعي إمتلاك صلابه ’’الفولاذ’’ ,مثل ’’حزب العمل القومي الإشتراكي ’’ الذي قاد مسيره المانيا النازيه ماقبل وخلال الحرب العالميه الثانيه , وكامل الأحزاب الماركسيه اللينينيه, التي قادت ’’العالم الإشتراكي’’ , ونسخها ’’المعدّله’’ من الأحزاب الماويه , بما فيها ذلك الحزب الأكثر دمويه في العالم ’’حزب الخمير الحمر’’ الكمبودي, مرورا بكل تفرعاتهم التروتسكيه , كانت تعيش حالات من الصراعات الداخليه نتيجه تأثرها (كل منها بقدر إنعزاله أو إنفتاحه) وثأثيرها في وعلى محيطها , وليس من باب الصدفه ان الحزب الوحيد بالعالم الذي بقي بعيدا نسبيا (حسب ما هو متوفر من معلومات حوله) عن التأثيرات الخارجيه , هو الحزب الأشتراكي الماركسي اللينيني الكوري الشمالي , والذي من أجل ضمان عدم تأثره في محيطه , عزل بلاده كامله عن العالم خلف ’’جدار فولاذي’’ ,في ’’جزيزه’’ تعيش خارج إطار الحضاره الإنسانيه , وحتى هذا ’’الحزب’’ لم يستطيع النأي بنفسه عن ’’الإختلافات’’ التي حسمها بتطبيق ديكتاتوريه الفرد الواحد ’’القائد الفذ والملهم’’ المتوارثه إبنا عن أب , وعبر تصفيات دمويه داخليه عديده ومتعدده ....
***
هل فعلا,لإثبات هذه البديهيه, من الضروري سرد قصه مؤامره الجنرالات النازيين على هتلر وكيف حاول الكولونيل كلاوس ستوفنبرغ إغتيال ’’الفهرر’’ , وما تبعها من إعدامات لجنرالات متنفذين في الجيش النازي ...
او كيف أعدم ونفى ستالين معارضيه ومنهم أعضاء لجنه مركزيه لحزبه , وكيف لاحق تروتسكي حتى منفاه لإغتياله...
ام كيف قام’’ بيريا’’ بدس السم لستالين ...
او كيف ’’إبتدع ’’ ماوتسي تونغ الثوره الثقافيه للتخلص من معارضيه في الحزب ومن ضمنهم رئيس جمهوريه الصين وقتها ’’ليوشو كوي’’ الذي مات في سجون ماو بسبب نقص العلاج ...
او كيف تمت تصفيه ’’عصابه الأربعه’’ ومن ضمنهم أرمله ماو تسي تونغ , بعد مماته لدورهم في الثوره الثقافيه...
أو كيف صفى بول بوت العديد من’’ رفاقه’’ في اللجنه المركزيه للخمير الحمر ...
ام عن خلافات تشي غيفارا مع فيدل كاستروا التي أدت الى أبتعاد التشي عن كوبا وعن كل مناصبه في الثوره الكوبيه ...
او كيف سلم فيدل كاستروا السلطه لشقيقه راؤول من شده ثقته ببقيه أعضاء اللجنه المركزيه لحزبه الفولاذي .....
أم تفضلون أن نأخذ تجارب الأحزاب العربيه ’’القوميه’’ الفولاذيه , لنرى الإعداد الهائله من ’’المعارضين’’ الذين تمت تصفيتهم بحجج مختلفه ...
كل هذه ’’المعارك ’’ والتصفيات , ليست إلا قمه جبل الجليد , التي تخفي صراعات عنيفه لتيارات متناقضه في ’’تنظيمات فولاذيه’’ ...
***
ليس هناك أي قوه على الأرض بمنأى عن وجود تيارات فيها ,متحالفه ومتعارضه حسب تأثير وتأثر كل من هذه القوى بالظروف المحيطه بها , وحماس ليست أستثناء...ضيق المجال ,يمنع الإستطراد بشرح تأثيرات العامل البشري الداخلي والعوامل الخارجيه في بروز التيارات الداخليه في هذه ’’الأحزاب الفولاذيه’’ , وتمّوج موازيين القوى داخلها لصالح تعزيز موقع طرف امام الآخر , فكل حاله تحتاج الى دراسه معمقه , وما يهمني شخصيا في موضوعنا هذا , هو فقط تقديم الحجه والبرهان على
أن ’’التنظيم الفولاذي’’ غير موجود , وما هو الا ’’صوره خارجيه’’ تخفي تحتها صراعات قوى وتيارات وتكتلات , تماما كالتيارات التي تتصارع وتتداخل في عمق البحار والتي لاتنعكس بالضروره على سطح الماء , وأن هذه التيارات والصراعات مرتبطه بعلاقه جدليه مع محيطها ,تؤثر وتتأثر به , وان حماس ليست حركه’’ إلآهيه’’ خارجه عن الإطار البشري , تحت قياده ’’أنبياء زاهدين’’ ومحصنيين من التأثر بالعوامل الداخليه والخارجيه ....***
أذا إتفقنا على ذلك , بإستطاعتنا عندئذ الإتفاق بسهوله على بعض العوامل المؤثره بهؤلاء الذين يتقاسمون مركز القرار في حماس , وتؤثر بهم وبالتالي بمواقفهم وتحالفاتهم الداخليه ...
فتحت صوره ’’التنظيم الديني’’ المرتبط بحركه الإخوان المسلمين , هناك العديد من الشخصيات القياديه الواقعه تحت تأثير العامل الإيراني , أو السوري , او السلفي الجهادي , بتشعباته المختلفه , كما أن هناك الكثير من الشخصيات القياديه الدوغماتيه التي تستمد قرارها من قرائتها الخاصه ’’للدين الإسلامي’’ , إضافه الى شخصيات ,رغم مسحتها الدينيه , فهي تبقى براغماتيه تتفهم تقلبات موازيين القوى وتتعامل معها كواقع قائم , وتأخذها بعين الإعتبار وقت القرار ...
ما يجمع هذه التشكيله من الشخصيات هو قبل كل شئ ,جماهيريه وشعبيه ’’تنظيمهم’’ ,لأنه هو المدخل بالنسبه لكل قوه منهم الى تحقيق أهدافه النهائيه , والتي ليست بالضروره أهداف مشتركه فيما بينهم , بل مرتبطه بالأساس بأهداف القوه المؤثره بكل واحد منهم , فمثلا أهداف ’’الجهاديين ’’ منهم , ليست بالضروره هي نفس أهداف ’’ الإيرانيين’’ الذين يمتلكون أيضا ,أهداف قد تتعارض مع ’’السوريين’’ ,او مع البراغماتيين ....
وما حدث في غزه من إنقلاب ,وإجرام دموي , كان تعبيرا واضحا عن غلبه تحالف تكفيري إيراني سوري جهادي التأثر , على من تبقى من’’ قوى براغماتيه’’ تتفهم مدى خطوره صور ’’الجريمه’’ على شعبيه ’’التنظيم ’’ وعلى محاولاتها إقامه علاقات مع دول أوروبيه ,وعلى مصداقيه خطابها الإعلامي الموجه للخارج وللعالم العربي والإسلامي , وعلى شعبيه وجماهيريه حماس ...
***
القياده , اي كانت طبيعتها وطبيعه علاقاتها الداخليه , لا قيمه لها ولا أثر , دون إمتدادها الجماهيري , لأن الجماهير هي التي تترجم مواقف القياده الى فعل , وهي التي تدافع عن القياده ومواقفها , وهي التي تحسم المعارك الإنتخابيه , وبالتالي هي مقياس قوه وأثر ’’القياده’’ في التوازنات السياسيه ...
وهذه الجماهير , جماهير اي ’’قوه سياسيه’’ , ليست مجموعه واحده محدده وثابته على الدوام , بل هي معرضه لحالات متتابعه من المد والجزر , وتتأثر هي الأخرى ,عددا ونوعيه , بالكثير من العوامل , ومن ضمنها , تماسك ’’موقف القياده’’ , وسياده ’’تيار’’ على آخر , ومدى مقدره ’’قيادتها’’ بالتعبير عن مشاعرها , وتحقيق أهدافها , كما انها تتأثر أيضا بطبيعه ’’الخطاب السياسي’’ للأطراف الأخرى , ومقدره تلك الأطراف على زعزعه ثقتها ب’’قيادتها’’ , عبر فضح ’’صراعاتها’’ الداخليه , أو تقويض حججها الدعائيه , أو توضيح ’’عدميه’’ الطريق التي تسير عليه ...
***
جماهير اي تنطيم , متنوعه ومتعدده, فهناك في معظم الأحيان نواه صلبه من الملتزمين بالتنظيم ,سياسيا وعقائديا ,وهم في معظم الأحيان أعداد قليله , لا تشارك فعليا في أتخاذ القرار ,حتى لو هيأ لها ذلك , وهم أيضا معرضين للتأثر مدا وجزرا إعتمادا على مدى مقدره ’’القياده’’ بالتعبير عن مواقفهم وأمالهم ومصالحهم , وإعتمادا على قوه المنطق المناقض الذي يستعمله ’’خصمهم’’ السياسي , ويجب هنا الإعتراف بأن الملتزمين ’’عقائديا’’ هم الأكثر ’’ثباتا’’ حول ’’القياده’’ بحكم ان ’’الإيمان العقائدي’’ لا يتأثر كثيرا بمنطق الحدث ,بل بمنطق ’’ديني’’ غير قابل لنقاش ’’دنيوي’’ ... وحالتنا الفلسطينيه تمتلك , إضافه الى كل ما سبق , خصوصيه تجعلها تختلف عن الكثير من الحالات الأخرى في العالم , وهي أن ’’التنظيم’’ بالنسبه لشريحه هامه من الناس ,هو مصدر ترزق ميسور , بحكم ظروف الإحتلال وصعوبه الحياه الأقتصاديه للناس , مع ما يعنيه ذلك من حقيقه مره بأن ’’الإنتماء السياسي’’ المعلن للبعض ليس إلا غطاءا ل’’حاجه’’ إقتصاديه , وأن هذا الغطاء قابل للتغيير حسب ’’مصدر الرزق’’ ....
***
إعتمادا على كل هذه الفوارق ’’الطبيعيه’’ بين كل مكونات ’’المحيط الجماهيري ’’ الملتف حول قياده حماس , يصبح من السهل على من يرغب الرؤيا , ان يستخلص بأن عدد هؤلاء الذين التزموا ولا يزالوا بالأوامر اللأخلاقيه لبعض قياداتهم الداعيه للقتل والتنكيل والإجرام بحق أبناء فتح , هو عدد محدود من هذا المجموع , وهم بالأساس مكونيين من ’’العقائديين’’ الذين لا مجال في عقولهم الممسوحه , لتفهم منطق حرمه الدم الفلسطيني , أو حرمه القتل خارج إطار الدفاع المشروع عن النفس , حيث تكفيهم فقط ’’فتوى الأمير ’’ لترفع عنهم مشقه تحكيم الضمير والعقل والمنطق في ممارساتهم وتصرفاتهم .....
****
قد أكون من خلال هذه المداخله المطوله , قد أوضحت بالظبط , المقصود
بموضوعه ’’التيار الصامت’’ وذلك ’’ التكفيري’’ , والذي لم يكن بهذا التحديد إلا من أجل تبسيط صوره بالغه التعقيد ....
***
ومن هنا بالإمكان تفهم الأهميه القصوى ل’’خطابنا’’ إتجاه هذا المجموع , وضروره تمسكنا بالخطاب النابع من عمق أخلاقنا الفتحاويه والوطنيه , وإمكانيات إنعكاس هذا الخطاب على هؤلاء ...
فإما أن نستمر بخطابنا التبسيطي و نضع الجميع في سله واحده, كما يفعل البعض منا , ونطلق عليهم ما حلا لنا من الألقاب والصفات (شيعي,مجوسي,خوارج, عملاء, ألخ ...) وندعوا الى ’’الإستئصال’’ بالدم والنار والثأر ... وهكذا نعمل من حيث لا ندري على تصليب وحدتهم , ونغذي طاحونه ’’التكفيريين’’ منهم ...
(رغم ان ’’الحسم العسكري ’’ الذي يحلم به البعض , ليس من الإحتمالات المطروحه ....)
وإما نستعمل خطاب العقل والأخلاق , والذي لايعني على الإطلاق ,لا التنازل عن الموقف السياسي , ولا عن ضرورات مرور العداله والقانون , ولا عن التمسك بضروره التراجع عن الإنقلاب وتبعاته , وبذلك نترك الأبواب مفتوحه لأحتمالات المستقبل , وهذا هو بالظبط ما قامت به الحركه حتى الآن , ولا أعتقد أن هذا الموقف قابل للتعديل ...
***
على كل الأحوال ...
دون تصليب وضعنا الداخلي فتحاويا عبر المؤتمر العام للحركه ,وإعاده الإعتبار للتنظيم...
ودون الإنفتاح على محيطنا الفلسطيني عبر مجلس وطني فلسطيني ,وإعاده الإعتبار لمنظمه التحرير ...
ودون التوافق على موقف موحد ,نعبر عنه في خطاب واضح متجانس , من خلال إعلام قوي وهادف ....
لن نصنع الحدث ..
وخلفه سنبقى نلهث..
للتعليق عليه ..
دون التأثير به
..

ليست هناك تعليقات: