الأحد، ١٢ كانون الأول ٢٠١٠

قفاز تحدي .. يجب أن نرفعه

 كُتب في 14/2008 ونُشر في مجله فلسطيننا ..

منذ إتخاذ بعض الحركات الفلسطينيه قرار إمتشاق الدين الإسلامي الحنيف ,كحصان طرواده ,لإقتحام الصف لفلسطيني , والدخول الى قلعة الوطنية الفلسطينيه , وإنتزاع ''السيطره'' فيها من يد هؤلاء الذين اعادوا بث الحياه في الشخصيه الوطنيه الفلسطينيه عبر إعاده إحياء الهويه الفلسطينيه حول برنامج ومؤسسات منظمه التحرير الفلسطينيه , إستعملت تلك الحركات سلاح الخلط المتعمد ما بين ''العلمانيه '' , والهويه الوطنيه الفلسطينيه ,الطريه التكوين, التي كانت منظمه التحرير الفلسطينيه تعمل على بلورتها كرد إستراتيجي على احد اهم مقومات الإسطوره الصهيونيه التي إنكرت وجود شعب فلسطيني (ارض بلا شعب , لشعب بلا أرض ) ...
ولقد قامت تلك الحركات الإسلامجيه , في محاولاتها لأجتذاب الجماهير الفلسطينيه لجانبها ,
وبالتالي إضعاف مكونات منظمه التحريرالفلسطينيه , بالتلويح ببعبع''العلمانيه'',
وبديماغوجيتها المعتاده , خلطت الحابل بالنابل ,وإستغلت الرفض الفطري والأخلاقي والمنطقي للإنسان الفلسطيني ل''الإلحاد'' ,القائم على ثقافه الإيمان المترسخه تاريخيا وأجتماعيا في عقول وقلوب ابناء شعبنا , وأوحت من خلال مثقفي زوايا المساجد بأن ''العلمانيه'' هي ''الإلحاد'' , وبالتالي فأن مكونات منظمه التحرير الفلسطينيه , يعملون (في احسن الأحوال من حيث لا يدرون ), على محاربه الدين الإسلامي الحنيف, عبر نشر ثقافه وطنيه تعتمد الفكر التحرري الديمقراطي الوطني اساسا لها , بدلا عن ''الشريعه الإسلاميه'' التي يدّعون هٌم, انهم يدعون لها ....
وفي سياق معركتهم ضد الحركه الوطنيه الفلسطينيه وفكرها الديمقراطي التحرري , ساق هؤلاء المتأسلمون تعريفات كثيره ومختلفه للعلمانيه , وطرحوها على اساس انها التعريف الصحيح , وتناسوا دوما ان ''العلمانيه'' التي يستعملونها لترويع الإنسان الفلسطيني , كانت ولا تزال هي جواب المسيحيين المتنورين , على السيطره المطلقه للثيوقراطيين المتعصبين من رجالات الدين المسيحي على مقاليد السلطه في دول اوروبا , وعلى إستغلال هؤلاء لتعاليم الديانه المسيحيه من اجل بسط نفوذهم وإحكام سيطرتهم على كامل مجالات حياه الإنسان الأوروبي ,وتحويرهم للنص الديني من اجل إخضاع الإنسان البسيط لهم وتسخيره لخدمه مصالحهم الدنيويه الآنيه .. 
هل من الضروري فعلا التذكير بطبيعه الصراعات التي طغت على كامل الساحه الأوروبيه بإسم التفسيرات المختلفه لتعاليم الدين المسيحي ,صراعات كانت بداياتها محصوره بين رجال
الكنيسه انفسهم ,وادت الى حروب جاهليه ما بين طوائفهم المختلفه , ومرت بحروب مختلفه ما بين الكنيسه نفسها وملوك وامراء اوروبا الذين إعتمدوا هم انفسهم نفس خطاب الكنيسه الديني من اجل تجنيد المواطنيين حولهم وخلفهم , وتسخيرهم ,تماما كالآخرين , في خدمه نفوذهم وسلطانهم...؟؟؟
هل من الضروري فعلا التذكير بالتحالفات المتقاطعه التي كانت اطراف الكنيسه المسيحيه المختلفه تبنيها مع ملوك وامراء مناطق اوروبا المختلفين , تحالفات قائمه دوما على مصالح
مشتركه , دنيويه , لهذا وذاك منهم ؟؟؟؟ 

''العلمانيه'' التي يعمل الإسلامجيين اليوم على التلويح بها كبعبع لمواجهه الحركة الوطنية الديمقراطية الفلسطينية هي مولود الثقافه المسيحيه , وردها على فشل الثيوقراطيين المسيحيين بإيجاد الأجوبه الملائمه على تحديات عصرهم , وفشل هؤلاء بترسيخ دعائم مجتمع يضمن لأفراده مستقبلا افضل من عصر الظلام والحروب الدينيه والطائفيه والأهليه الذي ساد في اوروبا تحت حكم هؤلاء , وما رافقها من شلالات دماء وممارسات همجيه , تتعارض مع ابسط تعاليم الديانات السماويه , بما فيها الديانه المسيحيه نفسها ....
هل فعلا من الضروري ,هنا ايضا ,التذكير بهمجيه وبشاعه المجازر الطائفيه التي إرتكبها هؤلاء بأسم الدين , وخاصه ان ربوع اوروبا وأزقه مدنها وقراها, لا تزال تشهد على بشاعه تلك الممارسات ,وتذّكر القاصي والداني بعمليات الإباده الجماعيه التي كانت تجري ضد كل من لم ''يؤمن '' و ''يعترف'' وينحني امام ''ممثلي الله في الأرض'' ؟؟؟
هل فعلا يجب التذكير بعمليات الحرق والفلخ والبتر والتعذيب الوحشي , التي كانت تٌمارس في ساحات المدن الأوربيه المختلفه, امام بصر جموع حاشده من البشر مٌطوّعه لسلطه الكنيسه ,من فاقدي الإراده والعقل والضمير ؟؟؟ 
ديماغوجيه الإسلامجيين الفلسطينيين تتبلور جليا في محاولتهم الخلط بين السؤال الذي كان مطروحا على المجتمعات الأوروبيه في العصور الوسطى , وذلك المطروح علينا نحن الفلسطينيين اليوم , وكذلك بالخلط المتعمد ما بين جواب المتنوريين من مواطني اوروبا
المسيحيين على تحديات عصرهم المتمثل ب''علمانيتهم'' بكل تعاريفها ومضامينها , وبين
إجاباتنا ,الواجبه والمٌلحه, على التحديات المطروحه علينا اليوم والمتمثله ب''الفكرالتحرري الوطني الديمقراطي '' , والذي لا يعني بالضروره نفس الإجابه , لأن إجابه الأوروبيين هي إجابه كانت تتعلق بمشكلتهم الناجمه عن تكلس ديانتهم في ذلك الوقت, وعدم مقدرتها على التماشي مع متطلبات الخروج من عصر الظلام لعصر النهضه , وبالتالي ,فهي ليست بالضروره , نفس أجابتنا كفلسطينيين على اسئله عصرنا ,وحتى وإن كانت اجوبتهم صحيحه بالنسبه لمشكلتهم , فهي ليست بالضروره صحيحه كجواب على الأسئله المطروحه علينا .. 

علينا قبل إستكشاف محتوى اجوبتنا على تحديات المستقبل القريب والبعيد , ان نحاول إستكشاف الأسئله الملحه المطروحه علينا , وان نجد لها اجوبه مقنعه للنفس قبل الغير ...
لا ادعي امتلاك إمكانيه حصر كامل تلك الأسئله ,فهي متعدده ومتنوعه , وبعضها يتعلق بطبيعه عدونا الرئيسي ومخططاته وتعريفنا له, وأمكانيات إستفادته من طبيعه طرحنا السياسي, ومن نظرتنا لمستقبل شعبنا وطبيعه نظامه السياسي والإحتماعي , تلك الطبيعه التي ستحدد بدورها طبيعه علاقاتنا الإقليميه والدوليه , وتصورنا لدورنا كشعب في بناء مستقبل المنطقه... وغيرها من الأسئله , حول الأهميه التي نعطيها فعلا لمحتوى حريتنا ومعانيها , وحول نظرتنا لطبيعه العلاقات الداخليه بين القوى الفلسطينيه المختلفه , وطبيعه إطار الصراع المشروع بينها ,وطرق تقنينه ليصبح عامل وحده وقوه بدلا عن ان يكون عامل تناحر وتفرقه ..

 سأحاول فيما يلي حصر بعض تلك الأسئله وخاصه منها التي تتعلق مباشره بوضعنا الداخلي وفهمنا لمعاني حريتنا .... 

** هل هناك اليوم بين كل ما هو مطروح في ''السوق'' من بضائع مختلفه للإسلامجيين , الثيوقراطيين منهم , والإنتهازيين , بضاعه تتناسب مع ما يتمناه فعلا شعبنا لمستقبله الوطني ولمستقبل اطفاله ؟؟؟ إبتداءا بدويله الظلام في غزه , مرورا ب''دوله الخلافه'' التي يدعوا لها
حزب التحرير , ودوله طالبان السوداويه في افغانستان , ودوله ولايه الفقيه في إيران , وإمارات ''امراء المؤمنيين'' المختلفه التي تبرز لنا واحده منها كل شهر في العراق والجزائر والمغرب , وفي بعض الدول الاوروبيه , ام دول مٌدعي النسب لسلاله النبى (صلى الله عليه وسلم)

**هل يقبل شعبنا اليوم ان يٌسلم حاضره ومستقبله لمجموعات من مثقفي زوايا المساجد المظلمه , واصحاب العمامات , بيضاءا كانت ام سوداء , ليقرروا مصيره عوضا عنه ؟؟؟ 

 **هل يرى شعبنا بالأسطل والظواهري وبن لادن والملا عمر والزرقاوي والبغدادي , ومن شابههم , نموذجا مستقبليا مقبولا , يمتلك الكفاءه والمقدره والحنكه والوعي السياسي والعمق الفكري , لقياده الأمه بإتجاه إنتزاع حريتها , والموقع الذي تستحقه بين شعوب عالم اليوم والغد ؟؟؟

** هل نرى قٌدوه في ملوك وامراء وحكام المنطقه العربيه , بما فيهم هؤلاء الذين يدّعون النسب لسلالة النبى الكريم , والذين يستعملون الدين الإسلامي الحنيف لتثبيت دعائم حكمهم الفردي التسلطي القمعي , والمصلحي الديكتاتوري , ويعتمدون اعداء الأمه كحماه لوجودهم وأنظمتهم مقابل تسليمهم مفاتيح البلاد الإقتصاديه والسياسيه والثقافيه , ورهن قرارهم وإرادتهم لهم ؟؟؟

**هل نٌسلم امرنا طوعا لمجموعات من ''المشايخ'' ومدّعي العلم والفقه والمعرفه , والذين وصلوا الى مواقعهم هذه بطرق واساليب لايعلم عنها إلا حاشياتهم ومن حولهم من المستفيدين , ونقبل بهم قيادات روحيه وحياتيه تقرر بدلا عنا كل ما يتعلق بشؤوننا الدنيويه , وتحكم على تصرفاتنا وملبسنا ومأكلنا ومشربنا , وتقرر لنا وعوضا عنا ما يجب ان نقراء ونشاهد ونسمع ؟؟؟ 

**هل نوافق طوعا على التخلي لهم عن حريتنا , وعن حقنا الطبيعي والمشروع بإختيار الأكفاء لتحمل المسؤوليات , بديمقراطيه شفافه توحد مكونات
الشعب بدلا من تمزيقها وشرذمتها عبر تكفير الآخر
؟؟؟

** هل نقبل ان يعَيّن البعض منا نفسه مراقبا على إيماننا وعقولنا وضمائرنا وتصرفاتنا , ويعطي لنفسه الحق بأن يدّعي تمثيل الإراده الإلآهيه على الأرض , فيفرض علينا ما يراه مناسبا بحجه انه يستمد قوته وشرعيته وإلهامه من الله تعالى ؟؟؟

** هل نرى بهم وبمشاريعهم المختلفه والمتناقضه ,طريق خلاص من واقعنا المرير , وجواز
سفرلمستقبل افضل لشعبنا وأبناؤنا ولقضيتنا ؟؟

الإجابه على هذه التساؤلات البسيطه , وغيرها الكثير , تؤدي الى وضوح المحتوى الفعلى للصراع الحقيقي الخفي المحتدم بين فكريين متناقضيين..
.
**صراع بين فكر ديمقراطي تحرري وطني , يثق و يؤمن بالشعب , وبأحقيته في تقرير مصيره ,وإختيار حاضره ومستقبله بحريه وشفافيه ... وفكر ظلامي يمتطي الدين الإسلامي الحنيف , لتثبيت دعائم دكتاتوريات سوداويه , وقائم على عدم الثقهبالجماهير , وينتزع منها حقها بتقرير مصيرها كخطوه اولى بإتجاه إنتزاع كامل حرياتها منها ...

**صراع بين فكر يؤمن بأن عباده الخالق تعالى ,وطرق التقرب منه , هي قناعات ضميريه وإيمان شخصي , لا يمكن لا فرضه ولا إنتزاعه بقوه السيف , لأن الإيمان والقناعات الضميريه متجذره في العقول والقلوب ولا يعلم بحقيقتها ومدى صدقها إلاالله تعالى ... وفكر يهب لنفسه صلاحيات وحقوق, اكبر بكثير, من تلك التي وهبها رب العباد لعباده , فيعتقد انه قادر على معرفه حقيقه ومدى ايمان الفرد , ومعرفه ما في العقول والقلوب والضمائر , فيكفر من شاء ,ويهب صكوك الغفران وتذاكر الدخول للجنه لمن شاء , ويعطي لنفسه الحق ب ''تقويم'' ما في القلوب والعقول والضمائر , حتى لو كان ذلك بالعنف والإكراه وبحد السيف ...

**صراع بين فكر يؤمن بأن لللّه تعالى في خلقه شؤون , وانه بعظمته تعالى إن وهب لخلقه عقلا وقلبا , فهو بذلك وهبه أمكانيه التفكير والإقتناع والإيمان والإختيار , وهي حريه تتضمن ضمن ما تتضمن ,تَحَمل المسؤوليات والإختيارات ... وفكر آخر مناقض يٌشكك في هذه الهِبَه الإلآهيه وفي حكمتها , فيعطي لنفسه الحق بأن يقرر عوضا عن الإنسان , ما هو الإيمان ومحتواه, وكيف يجب ان يكون , وبالتالي يخطف من الإنسان حريته الطبيعيه التي وهبها له رب العباد تعالى , ويفرض عليه ما يراه هو ''الصراط المستقيم'' , وتفسيراته الدنيويه
لإراده إلهيه لا يعلم بها إلا الخالق الجبار ...

** صراع بين فكر وطني ديمقراطي تحرري , يحمل في طياته بدور مستقبل مشرق لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا العربيه , عبر إنتزاع حقوقها الوطنيه , وإستقلالها , وسيادتها , لتلتحق ببقيه الأمم , ولتساهم بدورها في بناء الحضاره الإنسانيه القائمه على الإحترام المتبادل , وعلى اسس مبادئ الإنسانيه والشرعيه الدوليه ...و فكر ظلامي سوداوي يحمل في طياته بذور دكتاتوريات فاشيه متناحره , سيقود الأمه حتما الى غياهب حروب داخليه وخارجيه , دينيه وطائفيه, وسيساهم, كما ساهم بالأمس واليوم, بإعطاء كل المبررات الأخلاقيه والقانونيه والشرعيه للأعداء للإستمرار في محاولاتهم تفتيت وتشتيت شعوب المنطقه , وحجب نور الحريه والمستقبل عن ابنائها .

الفكر الديمقراطي الوطني التحرري يتسع في ثناياه للفكر الإسلامي المنفتح والمتنور الذي
يرى بالإسلام دين تطور وتقدم ووحده مابين مكونات المجتمع , ويعمل على إبراز هذا الوجه الحضاري المنير للإسلام ,وهو بذلك قادر على فتح المجال له واسعا لحمل رسالته المنيره الى كل شعوب الأرض
... واما الفكرالظلامي فليس فيه متسعا لرأي آخر مناقض , ولا حتى للفكر الإسلامي المتنور , وهو بذلك اساء ويسئ للصوره المثلى للإسلام الحنيف , ووضعه موضع إتهام وحصار بين شعوب الأرض قاطبه .

لابد لنا من مواجهه فكريه حقيقيه وشفافه مع منظري الفكر الظلامي , وفضح ديماغوجيه
اطروحاتهم ومدى إنعكاساتها السلبيه والخطيره على واقعنا الحالي وعلى مستقبل شعبنا ...
وعلينا رفض المهادنه مع بعض حاملي ذالك الفكر الظلامي بحجه إستعمالهم في مواجهه الأكثر ظلاميه منهم , حيث ان مثل هذه المعركه المصيريه تحتم علينا الوضوح في اهدافنا , فهي اهداف نبيله وسليمه لا تتعارض مع الإسلام الحنيف , وقادره على الوصول الى عمق ضمير شعبنا ,والى عمق الضمير العالمي ... 

علينا رفع قفاز التحدي المطروح علينا من قبل الثيوقراطيين والظلاميين ومستغلى الدين الإسلامي الحنيف , عبر إستكشاف إجاباتنا على كل الإسئله المطروحه امامنا من اجل
مستقبل حر وسعيد لشعبنا في وطن محرر من قيود الأحتلال ....

 فمتى سنواجه هذا التحدي ؟؟؟؟

ام ان هذه المعركه المصيريه ستبقى , تماما كغيرها الكثير , في ادراج مكاتبنا , وفي ثنايا عقولنا , وسنترك للآخرين , كل الآخرين , يخططوا وينفذوا ويحققوا النقطه تلو الأخرى ؟؟....



ليست هناك تعليقات: