كتبت هذه الخاطره في 05/09/2007
...1...
كم كانت فرحتي عظيمه ,حينما وجدت في علبه بريدي التي اتفقدها صباح كل يوم ,دعوه من الاخوه لحضور مهرجان تضامني مع الشعب الفلسطيني , شعرت ,ان ساعه القيلوله قد انتهت ,وان الاخوه استيقظوا من سباتهم العميق ,وقرروا اخذ زمام الامور بأيديهم لتعبئه اهل البلد ,ليعودوا من جديد لدعم نضال شعبنا العادل ,كما كانوا وكنا نفعل بالماضي القريب (مهرجانات ومحاضرات وحوار وتظاهرات واعتصامات وتجمعات وبرقيات ولقاءات مع مسؤولي الاحزاب والمنظمات النقابيه والسياسيه والدينيه والاجتماعيه والثقافيه والشخصيات السياسيه ) .
كانت غبطتي اكبر عندما قرأت ان مكان عقد الاجتماع هو احدى صالات مؤسسه دوليه عريقه مشهوره بالدفاع عن الثقافه والاداب وعن حقوق الانسان ,مما يعني ان الاخوه لم يبخلوا في جهدهم من اجل تأمين كل فرص النجاح لهذا المهرجان التضامني .
وتوجهت يوم اللقاء المنتظر الى مقر هذه المؤسسه العريقه ,مسرورا بالحدث , ومتشوقا لرؤيه اخوه واصدقاء شغلتنا هموم الدنيا ,وظروف حياتنا العائليه والعمليه ,عن التواصل المستمر , ومتلهفا لسماع الجديد منهم .
عندما لاح بالافق مقر المؤسسه ,لفت نظري يافطه كبيره ,تعتلي باب الصاله الضخمه ,كتب عليها بخط عريض وانيق ,وبلون اخضر غامق ’’من اجل قضيه عادله’’, وما اثار اندهاشي ,هو العدد الكبير من الناس الذين تجمهروا امام الصاله ,والاخرين الذين يسرعون الخطى بالطريق ,مثلي, للالتحاق بمن سبقهم .
رفعت رأسي عاليا ,فخورا ,بهذه التعبئه الناجحه التي قام بها الشباب ,تعبئه مركزه وكافيه لتأمين نجاح باهر لمهرجان لابد وان يترك بالغ الاثر في نفوس كل الحضور , ومن المؤكد انه سيلاقي تجاوبا من الاعلام المحلي الذي لن يستطيع التغاضي عنه ,هذه المره ,كما كان يحدث في السابق تحت وطاءه ضغط المنظمات الصهيونيه الكبيره والمؤثره في هذا البلد الاجنبي.
...2...
بعد ان اقتربت من باب الصاله الفخمه , دققت قليلا في من حولي من عباد الله ,علني اشاهد صديقا او اخا ,نقطع معا ما تبقى من امتار قليله للوصول الى الباب , واثار انتباهي وسروري نوعيه الناس المتوجهه الى الصاله , فأغلبيتهم العظمي ’’اجانب’’ من اهل البلد ,شقر ,بيض, واحتلوا ملابسهم الانيقه ,يسيرون بأدب وانتظام وهدوء , بينما اعتدنا نحن ان يحضر احتفالاتنا بضع عشرات من ابناء العرب المهاجرين في هذا البلد ,وعدد اخر مثلهم من الفلسطينيين الذين كتبت لهم ظروف الحياه ان ’’يستقروا’’ هنا ,اضافه الى عدد صغير من ’’مناضلي’’ احزاب اقصى اليسار.
عندما ولجت الصاله , لفت انتباهي طاوله كبيره لا متناهيه الاطراف,تتصدر الصاله ,وضع عليها بترتيب شبه هندسي ,المئات من الكتب والكراسات والدراسات والوثائق والملصقات الزاهيه الالوان , واعتلاها يافطه اخرى ,جميله ومنمقه الكتابه ,تعلن بشكل قاطع لا يقبل الشك ’’ لهم الحق بحياه حره ,على ارض موطنهم الاصلي’’ ,وفي شمال ويمين الصاله ,يافطتان ,ليستا بأقل جمالا وتنميقا , كتب على احداها ’’ الصمت عن المجازر ,مشاركه بها ’’ وعلى الاخرى ’’ساعدوهم على العيش بسلام وامن وحريه , انهم يستحقونها ’’.
بقيت متجمدا في مكاني انعم برطوبه جو الصاله , وبروائح العطور الفخمه التي تنبعث من الحضور المتجمعين في حلقات صغيره ,يتبادلون اطراف الحديث والابتسامات , ويلتقطون بخفه ورشاقه ,كأسا من العصير او قطعه حلوى ,من على الاطباق التي كان يقدمها لهم شباب وشابات بعمر الزهور ,يسيرون بخفه ورشاقه ,بين الجموع ,ويحملون على اكفهم هاته الاطباق التي امتلأت بما لذ وطاب من عصير فواكه محتلفه ومن الحلويات الشهيه , يقتربون بكل لطف وادب من الجموع ,يقدمون ما حملت اكفافهم ,بكلمه طيبه وابتسامه جميله.
بكل عفويه, انتفشت كالطاووس المعتز بنفسه وبربعه ,وعلا رأسي فخرا , كيف لا وكل هؤلاء الناس اتوا هنا ,بمجموعهم مع نسائهم واطفالهم ,ليتضامنوا مع شعبنا البطل وقضيته العادله , الست فردا من هذا الشعب العظيم ؟؟؟ وبالتالي ,هم هنا ,ايضا, للتضامن ,ولو قليلا ,معي كفرد من شعب يستحق الحياه والحريه والسلام .
تقدمت بخطوات هادئه ,شامخ القامه ,باتجاه طاوله الكتب ,اوزع الابتسامات العريضه, والكلمات اللطيفه والطيبه ,على الناس ,لاعبر لهم عن شكري وتقديري لحضورهم , ولأشاطر اخوتي منظمي الاحتفال الفخر بهذا النجاح المنقطع النظير ,حيث استطاعوا اخيرا ان يستوعبوا كيفيه الوصول الى عقول وقلوب هؤلاء الساده والسيدات ,الذين هم بالتأكيد من المؤثرين بالقرار الرسمي لهذه الدوله الاجنبيه , لما يبدوا على سماهم من جديه ونجاح في مجالاتهم المختلفه.
...3...
قبل وصولي الى طاوله العرض ,سمعت صوتا جهورا وعاليا جدا يناديني بأسمي , وتوقف جميع الحضور عن تبادل اطراف الحديث ,واشرأبت اعناقهم ,ودارت رؤسهم الجميله ,وعيونهم تبحث في انحاء الصاله ,وفيها نظره استنكار وتعجب ,عن ذلك الغليظ ,الذي لم يحترم رهافه سمعهم ,ولا هدؤ محادثاتهم ...ومره ثانيه ,صرخ اخونا المحترم ,يناديني بأعلى صوته ,ويشير لى بكلتا يداه , ورايته اخيرا ,بوجهه الأليف وابتسامته العريضه التي تكتسح محياه , يطل علينا من باب جانبي صغير في احد اطراف الصاله , فأسرعت الخطى ,محرجا ,بأتجاهه , وفي عيوني صفحات من العتاب على هذا الوضع المحرج الذي وضعني به,حيث اصبحت الان محط انظار الجميع , وكأنني سبب ازعاجهم الرئيسي .
عندما وصلت الى صديقي العزيز ,بعد لحظات طالت دهرا ,تلقفني بالاحضان ,واخذ يمناي بيسراه ,وهو يقول ,من هنا طريق اجتماعنا ,لقد حجزنا الصاله السفلى الصغيره ,فهي اقل كلفه ,وتكفي .
تبعته كالشبح ,فلم اكن قد استوعبت بعد ,ما قاله وردده اكثر من مره , وهرولنا الدرجات القليله التي تفصلنا عن الصاله الصغرى ,وبدقائق معدودات ,وجدت نفسي في محيطي الطبيعي ,بين عشرات من اصدقائي الفلسطينيين ,ومعارفي من العرب ,وبعض الوجوه الاليفه من ابناء اقصى يسار البلد ,وكنت اسمع الاصدقاء يرحبون بي ببشاشتهم المعتاده ,ولكن عقلي وقلبي كانا لا يزالا مجمدان ,تحت وطأه الصدمه.
جلست في زاويه من زوايا الصاله ,على احد الكراسي العديده التي لم تجد من يجلس عليها ,استمع لخطبه رنانه ,كان يلقيها احد الاخوه ,وكنت لا ازال انتفض ,وعرقي الغزير يتصبب من كل مسامات جسدي ,يغرق ملابسي ,كدوش من الماء البارد ...
ومن جديد ,وبكل عفويه ,وجدت نفسي اتسلق الدرجات الصغيره التي تفصلنا عن الصاله الكبيره ,وكلي عزم واصرار وتصميم على ان اقابل احد منظمي الاجتماع الحاشد هناك , عله يشرح لي ما هيه قضيتهم التي يدافعون عنها ,فلا بد وان تكون اعدل من قضيتنا لتجمع هذا العدد من شخصيات البلد ,و لأتوسله ,ليعلمني كيفيه الوصول الى عقول وضمائر كل هؤلاء.
وبعد ان شقيت باب الصاله ,توجهت بخطى ثابته الى طاوله العرض, وحال وصولي لها لفت انتباهي عريضه طويله ,مهرت بعدد لامتناهي من التواقيع لاسماء لامعه من كتاب وادباء وصحفيين مشهورين ,ومن اعضاء برلمان, وشخصيات مؤثره بالقرار,اضافه لتواقيع عدد من سفراء دول معتمدين في هذا البلد ,بعضهم يمثلون دولا عربيه .
...4...
ادرت نظري , فتسمرت عيناي امام ملصق كبير زاهي الالوان ,يمثل صوره ساحره لغابه كثيفه ,يستظل تحت اشجارها الشاهقه والضخمه ,مجموعات كبيره من القرده ,تجمعت بحلقات صغيره ,تنظر الى عدسه الكاميرا بعيون مستجديه حزينه ,وكتب على الملصق بخط خمري عريض ’’ لندافع عن حقوق قرده افريقيا الاستوائيه’’ .
لم الحظ الدموع التي نفرت من عيوني ,وانهمرت على وجهي الشاحب الحزين , وانا ادقق النظر بعناويين كل الكتب والدراسات التي تغطي الطاوله اللامتناهيه الاطراف ,حيث كانت جميعها تتحدث عن حقوق هذه القرود ,وضرورات حمايتهم والدفاع عنهم ,لينعموا بالحريه والامن والسلام على ارض موطنهم الاصلي ,المهدده من قبل الحضاره الزاحفه التي تحرمهم شيئا فشيئا من حقوقهم الطبيعيه والمشروعه بالعيش بأمان في محيطهم الطبيعي.
طأطأت الرأس ,وانحنى ظهري , تحت ثقل الافكار المتضاربه التي بدأت تسبب لي صداعا اليم , وجررت قدماي المثقله ,وتسللت كالمنبوذ الى خارج الصاله الكبيره ,نزلت الدرجات التي اصبحت لا متناهيه ,ودخلت كالشبح الى صاله مهرجاننا ’’الحاشد’’ ,والقيت بنفسي على نفس الكرسي الذي كان لا يزال بأنتظاري , ووضعت رأسي المثقل بين راحه يداي ,وكان صدى خطبه اخانا الملتهبه لا يزال يرنرن في انحاء الصاله , وكان محتواها يتمحور حول ضرورات التعبئه الشامله لاستئصال الخونه والمنشقيين والانهزاميين والتكفيريين ,وكل الاخرين , وتتحدث عن النقاء الثوري والخط السياسي السليم .
الهي عونك ورضاك ...
اهدنا لما فيه خير شعبنا ..
فهو ايضا ....
يستحق الحياه والحريه والامن والسلام ...
انك على كل شئ قدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق